lundi 19 mars 2012

أين تبخّرت الأموال الطائلة التي سحبت من البنوك التونسية جرّاء الثورة؟

ما يقارب 750 مليون دينار هو حجم المبالغ التي تم سحبها من البنوك التونسية خلال شهري جانفي و فيفري من سنة 2011,مما استوجب تدخّل البنك المركزي لضخ ما يقارب المبلغ ذاته تفاديا لنقص السيولة.
ذلك ما صرّح به مؤخّرا محافظ البنك المركزي التونسي مصطفى كمال النابلي في أحد الحوارات الصحفية التي جمعته بالإذاعة الوطنية.
لكن هذا الرقم الضخم يجعلنا نتساءل عن مصير هذه الاموال وهوية أصحابها وكذلك سبب اختفائها خاصة وأن محافظ البنك المركزي قد استبعد فرضية تحويل هذه الأموال إلى خارج الحدود التونسية . وفي ظل استحالة الحصول على معلومات دقيقة حول ماهية أصحاب هذه الأموال وخفايا عمليات السحب الضخمة هذه,حاولت "اليوم" على الاقل البحث عن بعض التفسيرات الممكنة من خلال فرضيات واحتمالات لبعض المختصين في الشأن الاقتصادي.
فمن جهته,رجّح الخبير الاقتصادي وعضو المجلس الوطني التأسيسي,محمود البارودي أن تكون هذه الأموال عائدة بالأساس لرجال الأعمال التونسيين وهي مخبّئة على اعتبار الخوف من عملية المحاسبة التي أصبح البعض يعتبرها أداة للانتقام والتشفي خاصة مع انعدام الثقة في مسألة العدالة الانتقالية .
وأضاف البارودي أنه على الرغم من التأكد أن 80 بالمائة من رجال الأعمال غير مورطين في قضايا الفساد إلا أنهم خائفون على مصالحهم ولا يريدون المخاطرة بأموالهم من خلال الاستثمار في ظل ضبابية الرؤيا.
أما الاحتمال الثاني للبارودي فيقول أن هذه الأموال قد وقع تهريبها بطرق غير شرعية خارج البلاد بصفة يصعب التفطّن إليها وتتبعها كما يبقى هناك احتمال آخر متعلق بإمكانية تبييض هذه الأموال واستثمارها في مشاريع أخرى عن طريق شركاء وهميين.
لكنه في نهاية الأمر توقع بأن تكون هذه الاموال لا تزال داخل تونس دون استثمارها وهو ما وصفه بالوضع المطمئن ودعا إلى ضرورة التفكير العقلاني والجدي في مستقبل البلاد والأوضاع الصعبة التي تمر بها وما تحتاجه من أموال لتجاوز العديد من الاشكاليات على غرار البطالة والتنمية الجهوية ,خاصة مع شحّ المساعدات والقروض التي حصلت عليها تونس بعد الثورة واقتصارها على ثلاث هياكل فقط(البنك العالمي والبنك الافريقي للتنمية والوكالة الفرنسية للتنمية).
ودعا البارودي إلى ضرورة استثمار هذه الأموال والتعجيل بإصدار قانون للمصالحة والمصادقة عليه من طرف المجلس الوطني التأسيسي قائلا:"ليس للحكومة الحالية ما تخسره فمدّة عملها قد حدّدت بسنة ونصف وعليها أن تبادر بمثل هذه الخطوة لأنه وفي نهاية الامر ليس للدولة بمفردها أن تقوم بخلق الثروات والحال أن المستثمر الخاص باستطاعته فعل ذلك."
وفي ذات السياق,يؤكد الخبير الاقتصادي عبد الجليل البدوي أن من قام بسحب كل هذه الأموال لا يمكن أن يكونوا أناسا عاديين بل هم أصحاب أموال وثروات بادروا بسحبها باعتبار التجاوزات التي مارسوها سابقا في جمع هذه الأموال من تهرّب جبائي وصفقات مشبوهة ,كما رجّح أن تكون هذه الاموال مخبّئة في بعض الخزائن المنزلية مع إمكانية تهريبها عن طريق معاملات أخرى أو تصريفها في السوق السوداء.
وأضاف البدوي أن عملية سحب هذه الاموال لو لا تدخل البنك المركزي كانت ستتسبب في شلل للحركة الاقتصادية وتكون مصدرا للضغط على الأسعار وانتكاسها وكذلك مصدر تهديد لمردودية العديد من الأنشطة الاقتصادية الاخرى.
وفي سؤالنا عن مصادر الاموال التي تم حجزها في تلك الفترة داخل بعض السيارات وعلاقتها بهذه الأموال,اعتقد البدوي أن من كانت تربطهم علاقات بالعائلة الحاكمة السابقة سارعوا الى نقل ما يمكن نقله لأن العقارات مثلا أو الممتلكات الأخرى يصعب التصرف فيها خاصة أمام العزوف عن شرائها.
أما عن المصالحة فقد ابرز أنه عليها المرور قبلا بالعدالة التي ستثبت من ارتكب تجاوزات ومن لم يرتكبها طبقا لضوابط تحدّدها لجنة وطنية محايدة تتكون من أناس يشهد لهم بالنزاهة مع مد الرّأي العام بكل الوقائع حتى لا تتحوّل هذه الملفات إلى وسائل للسمسرة والتوظيف السياسي,لكنه في المقابل أشار إلى أنه ضد العفو عمن أضر بحقوق الشعب التونسي من تهرّب جبائي وغيره لأن المصالحة وحسب قوله ربما تجعلهم يعيدون الكرّة كما أن هذا الوضع من شأنه أن يخلق ارتباكا في الدورة الاقتصادية.
وبالنسبة للأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي على عبد الله فيقول أن تلك الفترة المتوترة التي مرت بها البلاد جعلت الناس يخافون على مصالحهم من ازمة مرتقبة ولذلك بادروا بسحب جميع أموالهم.
لكن أوضح علي عبد الله أنه بالنسبة للتحويلات الكبيرة يجب على البنك المركزي أن يفتح فيها تحقيقا خاصة بعد ما روّج حول سحب العديد منها وخروجها تحت أسماء شركات وهمية تابعة لعائلة النظام السابق.
أما فيما يتعلق بالخطوة التي قام بها البنك المركزي التونسي من ضخّ للأموال وكذلك التخفيض في نسبة الفائدة لمرّتين وتدعيم نسبة الاحتياطي لدى البنوك التي مرت من 12,5 بالمائة إلى 30 بالمائة حيث ,وعموما تطورت الكتلة النقدية ب7 بالمائة خلال سنة 2011 مقارنة بسنة 2010 فيقول أن هذا الموضوع يقودنا إلى القول بأن الأموال التي لم تهرّب إلى الحدود التونسية لا تزال بالسوق إلى جانب الأموال التي قام البنك المركزي بضخّها. وأضاف الخبير علي عبد الله أنه من المحتمل أيضا أن تكون هذه الأموال لا تزال مخبأة وجامدة لذلك هناك من بادر باقتراح اللجوء إلى قرض وطني وخوصصة بعض الشركات الوطنية وإدراجها بالبورصة لمحاولة استثمار هذه الأموال وإخراجها خاصة إذا ما كان أصحابها متخوّفون من الاستثمار
شادية هلالي.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire