dimanche 3 juin 2012

اليسار التونسي: نشأته و تطوره مقال لصابر عباس و رصد لسفيان بوزيد

 اليوم، وعند الحديث عن اليسار التونسي تصعُب المهمّة أولا لأن هناك من يعتبر أن التقسيم إلى يمين/يسار لم يبدأ في تونس إلا سنة 1956 لكننا سنعمل حسب المثال التالي: منذ أواخر العشرية الأولى للقرن العشرين عند تأسيس الفرع الفيديرالي للحزب الاشتراكي الفرنسي الذي تحول مع مؤتمر تور المنعقد في 1919 إلى الفرع الفيديرالي الاشتراكي التونسي. وفي سنة 1920 ومن استتباعات مؤتمر تور تأسست أول نواة شيوعية في تونس، فرع الأممية الشيوعية. ومن الجهة المقابلة تأسس الحر الدستوري والحزب الليبيرالي وأحزاب أخرى، تتبنى الليبيرالية وأخرى إصلاحية وثالثة وطنية. وهكذا انقسمت الأحزاب السياسية إلى أحزاب يسارية (الفرع الفيديرالي للحزب الإشتراكي والفرع الفيديرالي للأممية الشيوعية) وأخرى يمينية (الليبيرالية وغيرها) وظل هذا الإنقسام يحكم الساحة السياسية، رغم التغييرات المحدثة باستمرار على تركيبتها.ثانيا لصعوبة تقديم تعريف شامل و محدّد لليسار، لكننا نميل دائما إلى تقديمه كتوجّه اجتماعي، أي مع العدالة الإجتماعية، واليسار أيضا مع الحداثة والعلمانية والمساواة التامة بين المرأة والرجل، واليسار مناهض للإمبرالية والعنصرية والصهيونية ومدافع عن السيادة الوطنية.كما أن الحركة اليسارية التونسية ورغم ارتباطها الوثيق بالشيوعية، لم ترتبط بشخص أو حزب معيّن كما أنّ نظام الحكم في تونس قد مال اقتصاديا إلى ما يشبه اليسارـ كانت تجربة رأسمالية الدولة – من خلال تجربة التعاضد التي سرعان ما تمّ الاستغناء عنها، أما بالنسبة لحركة الديمقراطيين الإشتراكيين و التي ستنتج فيما بعد حزب التكتل على يد مصطفى بن جعفر، فإنها لن تُعتبر يسارية إذ أن حمد المستيري المنشق عن بورڨيبة كان يمثّل الجناح الليبيرالي (سياسيا و إقتصاديا) للحزب الدستوري وبالتالي لن نتناول بالتحليل هذه الأحزابو لتبسيط القراءة الشاملة لليسار التونسي، سنترك جانبا اليسار القومي من بداياته اليوسفية إلى إمتداداته الناصرية و البعثية فيما بعد (حيث أن حديثه عن الإشتراكية ارتبط بالعلاقة التي كانت تجمعه بالإتحاد السوفياتي)، و قد نخصص له مقالا لتشعّب أفكاره و تعدّد أحزابه، كما أن فترة التعاضد لن تُعتبر إشتراكية رغم إدعائها ذلك، فهي رأسمالية الدولة كما ذكرنا سلفالتبسيط تاريخ  اليسار السياسي، سنقوم بتقسيمها إلى ثلاث محاور كبرى، الأولى هي بدايات  الفكر اليساري (مع) ظهور الطبقة العاملة في تونس (وتشكله في الحزب الشيوعي التونسي والحركة النقابية التابعة له التي كانت تمثلها السي جي تي والتي أصبحت ustt الإتحاد النقابي للعمال التونسيين) إلى حدود مطلع الستينات من القرن الماضي. أما الطور الثاني فقد ابتدأ مع ظهور حركة بيرسبيكتيف (آفاق العامل التونسي) وانتهى مع تفكك الحركة نهائيا في أواسط الثمانينات (و التحوّل المفصلي الذي قدّمته في المشهد السياسي التونسي). وأخيرا يبدأ الطور الثالث لما بدأ اليسار يتشكل في أحزاب سياسية. تكونت أول الحركات الشيوعية في بدايات القرن العشرين، وذلك مع ظهور الطبقة العاملة لتحول تونس من بلد إقطاعي إلى بلد (شبه) رأسمالي وكان الفرع الفيديرالي للأممية الشيوعية أولها مستمدّا قوته من المثال السوفياتي الصاعد آنذاك. و سرعان ما اصطدم برجال الدين المحافظين قبل أن يتم قمعه وحلّه بالقوة من قبل المستعمر الفرنسي (1924 ـ 1925)، ورغم قصر مدة عمله فإنه يبقى النواة الأولى للفكر اليساري التونسي وأول من نادى بالتحرر الوطني. ثمّ حلّ مكانه الحزب الشيوعي التونسي الذي كان، من ناحية التكوين والأفكار، فرعًا تونسيا للحزب الشيوعي الفرنسي، ورغم انخراطه في النضال إلى جانب العمال وضد الفاشية و النازية واحتلاله مكانة مرموقة في الشارع التونسي خاصة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وتطور علاقته بالإتحاد العام التونسي للشغل، فإن التوجّه البورڨيبي للدولة الحديثة سرعان ما قمع الحزب بعد اليوسفيين و قام بتحييد الإتحاد. و بالتالي أصبح أقل إشعاعا ولم يتحرّك سوى في المجال التي كانت تسمح به الدولة القمعية آنذاك، لذا سرعان ما احتاج المشهد السياسي التونسي إلى قوى أكثر راديكالية في صراعها مع الديكاتورية الناشئة و ستجد ضالتها في ما يسمّى اليسار الجديد و بالخصوص حركة آفاقبعد قمع الحزب الشيوعي التونسي والملاحقة البوليسية للطلبة في الجامعة، قرر سنة 1963 عدد من الطلبة في باريس تأسيس « تجمّع الدراسات والعمل الإشتراكي التونسي » وإصدار مجلّة بيرسبيكتيفPerspectives التي قامت بتحليل معمّق للوضع السياسي التونسي.وقد حاول التجمّع العمل من أجل وحدة كامل فصائل اليسار خاصة وأن مؤسسيه كانوا ينتمون لمختلف التوجهات الفكرية من القوميين العرب إلى الشيوعيين والماويين. وبعد سنة من العمل في فرنسا التأم لقاء في « الشراحيل » (مكنين ـ المنستير) تم فيه تحويل التنظيم (هكذا كان يطلق عليه، باعتباره لم يصبح حزبا بعد) إلى تونس، وواصل العمل التحليلي و الدعائي في الجامعة التونسية دون تبنّي إيديولوجيا واضحة قبل أن يقرّر اتخاذالماوية مرجعية له. ومنذ ذلك الحين أصبح العمل السياسي تحريضيا بالأساس وسرعان ما اصدم التجمّع بالسلطة التي حاكمته في 1968 بسبب دعواته المتكررة للتظاهر ومواجهة البوليس مباشرة. وأسفرت هذه المحاكمة عن أحكام بالسجن تجاوزت 150 سنة لعدد من أعضاء التجمّع. وكانت مناسبة لإعادة النظر في توجهات الحركة مما نتج عنه، في بداية السبعينات، محاولة تحوّل التجمّع إلى حزب بروليتاري يقوم بالثورة الإشتراكية ويلتحم بالعمّال، كما تمّ إصدار نشريّة « العامل التونسي » و كانت ناطقة بالعامّية التونسية ورفّعت من حدّة خطابها ومن نسق توزيعها للمناشير وتحريضها المتواصل ضد السلطة خاصة في صفوف العمّال ومرّة أخرى تصدّت لها السلطة البورڨيبية بالقمع الشديد سنة 1974 في المحاكامات الشهيرة (101) و(202) (الرقم يدل على عدد الموقوفين في القضية).و أسدل الستار على تجمّع الدراسات و العمل الإشتراكي نهائيا غير أنه ترك بصمته الواضحة على المشهد السياسي التونسي الذي اكتسبت فيه المعارضة، إلى جانب التوجه اليساري الإيديولوجي، نوعا من الراديكالية مكنتها من أن تقض مضجع السلطة وتدفعها، بعد أحداث 1978 مع الإتحاد العام التونسي للشغل والإنتفاضة المسلحة بڨفصة 1980 إلى جانب المد الإسلامي، دفعتها إلى محاولة الإنفتاح السياسي تحت قيادة مزالي الوزير الأول. و أقيمت في هذه الفترة أول انتخابات « تعددية » في تاريخ تونس غير أنها زورت لصالح الحزب الحاكم وعُرِفت بالمقولة الشهيرة « كيف الحنّة، باتت خضراء (لون الديمقراطيين الإشتراكيين MDS ) صبحت حمراء (لون الحزب الدستوري) ». وفي إطار هذا الحراك السياسي أسّس أحمد نجيب الشابي، الذي كان مناضلا في حزب البعث ومن بعده في حركة آفاق، أسّس حزب « التجمّع الإشتراكي التقدّمي » (الذي سيتحول فيما بعد إلى الحزب الديمقراطي التقدمي P.D.P.) طامحا في أن يكون وسطيا بين « تطرّف الأحزاب الدينية و تطرّف الأحزاب الماركسية »، ومكّنه العمل العلني والتموقع الوسطي من تحقيق نقلة نوعية في المشهد السياسي التونسي وخاصّة من خلال جريدة الموقف التي كانت منبرا لكل الحساسيات السياسية التونسية.من جهة أخرى، قرّر الماركسيون المنتمون للعامل التونسي تأسيس أول حزب ماركسي في تونس تحت اسم « حزب العمّال الشيوعي التونسي« ، وخرج لأول مرة إلى شبه العلنية من خلال أمينه العام حمة الهمامي ونائبه محمد الكيلاني سنة 1986.  ورغم إنعدام شعبيته في الشارع التونسية، إلإ مواقفه إتّسمت بالحدة و الراديكالية سواء تجاه السلطة أو المعارضة (الإصلاحية) فسرعان ما تمّ قمع الحزب و منع نشاطاته من قبل سلطة بورڨيبة المتهاوية.ما بعد التحوّل: بعد صعود الجنرال بن علي إلى الحكم، عاشت الجمهورية التونسية هدنة سياسية مكنّت الأحزاب من العمل العلني من خلال الترخيص القانوني (كالتجمع الإشتراكي التقدمي) أو السماح للصحف الحزبية بالظهور (كالبديل لحزب العمال)، غير أن عددا من العوامل الموضوعية وغير الموضوعية أدّت إلى تدهور الوضع السياسي في تونس بسرعة كبيرة. فمن جهة لم تكن هناك النيّة في التخلي عن مصالح الحزب الحاكم والطبقة الملتصقة به، ومن جهة أخرى كان الوضع في الجزائر مشتعلا وكان الكل يخشى تكرار نفس السيناريو في تونس. كما أن حرب الخليج، ومساندة بن علي المطلقة للعراق ووقوفه ضد « القوى الإمبريالية »، إلى جانب عدم احترام عدد من الإسلاميين المترشحين للإنتخابات الوجه الديمقراطي الذي أرادت أن تظهر به حركة النهضة آنذاك. كل هذه العوامل جعلت جزءا من اليسار التونسي، الذي فقد بريقه و قدرته على التعبئة والإقناع بسبب الزحف الإسلامي و سقوط الشيوعية (1986-1990) كبديل ممكن للنظام الرأسمالي، ينخرط في تصوّر بن علي بإمكانية « إقامة تعددية دون إسلاميين ».ورغم تعاون البعض مع النظام النوفمبري ورفض الباقي التعامل معه، فإن عصا القمع سرعان ما توجّهت نحو اليساريين بعد الإنتهاء من حركة النهضة. ويبقى مثال « خميس الشماري »، التجمّعي (الإشتراكي)، و الذي التحق ببن علي من أجل التنظير لفكرة تجفيف المنابع الهادفة للقضاء على الإسلام السياسي من خلال علمنة التعليم والثقافة (ويختلف تقييم هذه الفكرة من طرف إلى أخر، فمنهم من يراها منطقية لأهمية العلمانية في النظام الجمهوري و منها من يراها ضربا للإسلام لا للإسلام السياسي) قبل أن يُحاكم بخمس سنوات سجنا بعد انتهاء مدّة الود مع النظام السابق. يبقى هذا المثال الأكثر فصاحة وتعبيرا عن عدم رغبة  النظام في تطوّر أي تحرّك سياسي خارج نطاق مصالحه وأهوائه. فواصل تفكيكه وخنقه للمشهد السياسي التونسي وتواصلت المحاكمات للأحزاب اليسارية التي انحسرت عن الساحة لتنضوي تحت لواء الإتحاد العام التونسي للشغل أو الإتحاد العام لطلبة تونس أو حتى تحت مسمّيات أخرى كإتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل بتونس بعد استحالة العمل السياسي المباشر وارتفاع شدة القمع على كل من يُخالف السلطة، كما واصل الحزب الشيوعي التونسي، بعد تحوّله إلى « حركةالتجديد«  إلى جانب الحزب الديمقراطي التقدمي  والتكتّل من أجل العمل و الحرّيات (وريث الإنشقاق عن حزب الدستور ثم الإنشقاق عن حركة الديمقراطيين الإشتراكيين)، واصلت هذه الأحزاب الثلاث و  المعترف بها قانونيا، واصلت النضال الإصلاحي ضد بن علي دون الحصول على نتائج ملموسة.ساهم تشرذم اليسار الشيوعي في أفول نجمه، فمثلا تملك العائلة الوطنية الديمقراطية ذات التوجّه الماوي وزنا لا يُستهان به في الجامعة التونسية و في النقابات، غير أن التصلّب الإيديولوجي جعلها مثلا في خلاف مع حزب العمّال بسبب توصيفهم للإقتصاد التونسي كإقتصاد رأسمالي وبالتالي اعتبار الثورة القادمة ثورة اشتراكية، في حين يعتبر الوطد أن الإقتصاد التونسي شبه إقطاعي شبه مستعمر وبالتالي فإن الثورة القادمة هي حتما ديمقراطية وطنية، كما أنهم، عكس حزب العمّال الذي خرج إلى شبه العلنية في أواسط الثمانينات، يعتبرون العمل السرّي و العفوي أساسا (وهو ما يفسّر عدم انخراط كل مناصري العائلة الوطنية الديمقراطية في « حركة الوطنيون الديمقراطيون » [إشتراكي عِلمي] برئاسة شكري بالعيدحتى بعد الثورة التونسية في 14 جانفي)، شأنها شأن توجهات يسارية أخرى كرابطة النضال العمّالي و التروتسكيون التي لم تبرز إلى العلن في شكل تنظيمات حزبية واضحة المعالم. كما قلنا سابقا، إرتبط اليسار التونسي بالشيوعية في مختلف أرجاء العالم، فتعددت الأحزاب فكان منها الستالينية و الخروتشوفية (التحريفية) و الماوية (الصين) و التروتسكية و الخوجية (ألبانيا) وكانت تتصارع فيما بينها داخل تونس حسب العلاقات الدولية، فكانت لا تراعي الواقع التونسي و تأثرت كثيرا بسقوط الشيوعية في أنحاء عديدة من العالم مما جعلها ترتبط في ذهن التونسي بفشلها في البلدان التي طُبّقت فيها.من ناحية إقتصادية بحتة، لم ينجح اليسار التونسي لضعف (إن لم نقل لغياب) طبقة عاملة متينة على غرار ما أفرزته الثورة الصناعية، فبسبب الإستعمار و التخلّف و التبعية بقي الإقتصاد الوطني هشّا يتركز أساسا على الخدمات (السياحة مثلا) وعلى فلاحة بدائية لا صناعات ثقيلة أو فلاحة تحويلية وهو ما عطّل تكوين وعي نقابي و يساري متطوّر بين الطبقات الكادحة في البلاد.رغم أن الثورة رفعت شعارات يسارية بالأساس (أرض، حرية، كرامة وطنية هو شعار الوطد) ونادت بالعدالة الإجتماعية وهي إحدى أسس اليسار في جميع أنحاء العالم، إلا أن الإنتخابات أبت إلا أن تعطي لليسار حجمه التاريخي الذي كان رافضا للتسلط البورڨيبي قبل النوفمبري، وفضّل التونسيون إعطاء أصواتهم لكتلة إسلامية واضحة المعالم على تقسيمها بين أحزاب لا اختلافات ايديولوجية واضحة بينها ولكنها تتهم رفاقها بالتحريفية و الدغمائية والبورجوازية والعفوية والقومجية وغيرها من نعوت لا يزال يفهمها إلا النزر القليل من التونسيين. والمتأمل اليوم في المشهد السياسي التونسي يرى أن الإستقطاب الثنائي عاد إلى ما كان عليه من قبل في نهاية الثمانينات و بداية التسعينات: بين اسلاميين و دستوريين وبقي اليسار هامشيا بعيدا عن المواطن البسيط لا يتكلّم لغته و لا يعبّر عن مشاكله ومنه من نزع ثوب اليساريين ليلتحق بالشقّ الليبيرالي كالحزب الديمقراطي التقدمي، فأي مستقبل لليسار التونسي يا ترى؟صابر عباس                             :المراجعمن تاريخ اليسار التونسي، حركة آفاق ـ عبد الجليل بوقرةالحركة الشيوعية في تونس 1920ـ1985 ـ محمد الكيلانيالمعارضة التونسية: نشأتها وتطورها ـ توفيق المديني

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire