dimanche 3 juin 2012

حركة العامل التونسي و ميلاد حزب العمال الشيوعي التونسي

جركة العامل التونسي و ميلاد حزب العمال الشيوعي التونسي-بحث و تقصي سفيان بوزيد.
-----------------------------------------------------------------
بعد مرحلة الانشقاقات المتكررة التي عرفتها منظمة العامل التونسي، وهزيمة اليسار الجديد في مواجهة السلطة، تشرذمت صفوف الحركة اليسارية في تونس، وفقدت وجودها التنظيمي تحت وطأة الملاحقات والمحاكمات، ولم يبق فيها سوى عدد من القيادات والكوادر التي استمرت في تمثيل منظمة العامل التونسي، ضمن رؤية جديدة، تقوم على انتهاج خط سياسي وأيديولوجي، سماته المرتكز آت التالية :‏
ا - عربياً، أصبحت المنظمة مهتمة بالقضايا العربية، لجهة تأكيدها ضرورة وحدة الشعوب العربية، المنتمية إلى أمة عربية واحدة، وتأكيد انتماء تونس لهذه الأمة.‏
2 - داخلياً، أن المنظمة استمرار للحركة النضالية اليسارية، التي برزت منذ الستينات، وشاركت بجهد كبير في ترسيخ الديمقراطية، ودفع التقدم الاجتماعي، وتعزيز الاستقلال الوطني. والحال هذه، اعتبرت المنظمة أن تونس تمر بمرحلة "تحرر وطني لم تنته بعد"، ولهذا فهي معنية بتحقيق المهمات الوطنية باعتبارها مرحلة ضرورية نحو الوصول إلى الاشتراكية وبنائها في تونس، والتوجه نحو الطبقة العاملة، ونشر الفكر التقدمي الجديد، في أوساطها.‏

لكن مع بداية الثمانينات، طرحت المنظمة مسألة التفاعل مع تطور النظام التونسي باتجاه " التفتح والديمقراطية "، وإمكانية احتلال موقع في النضال الشرعي عبر إصدار صحيفة، وتركيز جهاز حزبي. لكن عمليات التزوير التي حصلت في الانتخابات التشريعية عام 1981، جعلت المنظمة تعيد حساباتها بصدد الموقف من النشاط السياسي العلني.‏
وقد أعلنت المنظمة رفضها للشروط التي أقرها النظام في موضوع مشاركة القوى والأحزاب السياسية في انتخابات 1981. وقال أحد قياديي المنظمة: "إن ممارسة الحريات لا يمكن أن تكون مشروطة إلا بما يحميها من الفاشيين وأعداء الحرية، لذلك نرفض الشروط الأيديولوجية والسياسية، التي تستهدف إلزام الحركات السياسية بالدفاع عن النظام " (1) .‏
ذلك لأن الشروط التي تضمنها "الميثاق الوطني " المعلن من جانب السلطة والمطلوب الموافقة عليه، يتعارض و"حماية النزعة الراديكالية والديمقراطية التي ظهرت في المجتمع التونسي وتوحيدها وتطويرها، ولا مجال بالنسبة إلينا، لأن نلعب دور الحجة على وجود الديمقراطية ظاهرياً، أو أن نكون ديكوراً لهذه العملية التي يراد تمريرها باسم الانفتاح " (2) .‏
ورغم أن عدة أوساط سياسية فسرت أن هناك عملية تضارب بين الحكم والتيار اليساري في الثمانينات، بهدف تشجيع اليسار على الابتعاد عن أسلوب العمل السري، الذي اضطر إليه في الستينات والسبعينات، بسبب غياب الاعتراف بوجود المعارضة، إلا أن منظمة العامل التونسي حددت شروطها التي تراها مناسبة لسير الانتخابات بصورة حرة في ثلاث نقاط أساسية:‏
الأولى: إصدار عفو تشريعي عام في البلاد، وتجاوز الإجراءات المفروضة على المناضلين السياسيين والنقابيين.‏
الثانية: إلغاء القوانين اللادستورية القائمة، وخاصة قانون الجمعيات وقانون الصحافة، اللذين يحرمان على القوى والتيارات ممارسة حقوقها.‏
الثالثة: مراجعة القانون الانتخابي، وتوفير الإمكانيات المادية والإعلامية لجميع التيارات السياسية للمشاركة في العملية الانتخابية (3) .‏
وكانت المنظمة متشككة في الشعارات التي رفعتها التجربة التعددية في تونس، مشيرة إلى أن الحكم ابتعد عن التعاطي المتوازن بين الحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم والمعارضة على نحو أدى إلى منح جميع الامتيازات ووسائل العمل والتسهيلات للحزب الحاكم، ونزع الغطاء عن الأحزاب الأخرى "لتعجيزها أو لتعرية ضعفها".‏
وقد قوَّم أمين عام منظمة العامل التونسي حمة الهمامي، نتائج الانتخابات التي رفضت المنظمة الدخول فيها بقوله: " إن البرلمان الذي جاء نتيجة لهذه الانتخابات لن يختلف عن سابقه وانه "سيقوم بالمهام العادية نفسها، وهي تشريع القوانين التعسفية.... لذلك دعونا إلى مقاطعة هذه الانتخابات وإلى مواصلة النضال لأجل تحقيق المطالب الديمقراطية، للشعب التونسي، التي تحاول السلطة طمسها، والتي هي حالياً العفو التشريعي العام، وإقرار حرية التنظيم وحرية التعبير، وحرية الاجتماع والتظاهر " (4) .‏
إذا كانت المنظمة قد أعادت النظر في العديد من "الثوابت " النظرية، مدخلة إصلاحات كبيرة على تصوراتها الفكرية والأيديولوجية، في محاولة منها للتكيف مع أوضاع تونس والعالم العربي، إلا إنها لم تحسم بشكل قاطع موضوع النشاط السياسي العلني، وان كانت قد رفضت شروطه كما حددها النظام.‏
وعلى هذا الأساس تابعت المنظمة عملها شبه السري شبه العلني في صفوف المعارضة التونسية، مركزة على قضايا الحريات والديمقراطية طوال السنوات الماضية، على أساس أن هذه القضايا يمكن أن تؤلف مدخلاً حقيقياً في التطور السياسي للبلاد. كما انضمت منظمة العامل التونسي في أول خطوة من نوعها من جانب المنظمة إلى جانب خمس منظمات سياسية في البلاد، في إصدار بيان حول المحاكمات التي نصبتها السلطة لمعتقلي "ثورة الخبز" في عام 1984، وتضمن البيان:‏
1 - استنكار المحاكمات الجارية، والمطالبة بوقفها، وإلغاء الأحكام الصادرة عنها وخاصة الأحكام بالإعدام.‏
2 - دعوة المنظمات والقوى الديمقراطية والإنسانية إلى التظاهر بالعاصمة في حملة شاملة لتحقيق ذلك.‏
وإزاء اتساع المطالبة بتراجع السلطة التونسية عن أحكام الإعدام، قام الرئيس بورقيبة بإصدار قراره بتخفيض الأحكام بالإعدام الصادرة بحق عشرة من معتقلي "ثورة الخبز" إلى السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة، وقد اعتبر هذا القرار خطوة هامة وإيجابية من جانب السلطة (5) 5.‏
كما أن منظمة العامل التونسي، اهتمت بموضوع الصحافة، فأصدرت مجلة فكرية وعلمية جامعة اسمها " أطروحات " بترخيص من السلطات التونسية في بداية العام 1984. وقد جاء في افتتاحية العدد الرابع من مجلة أطروحات ما يلي: "السمة البارزة لدى أبناء جيلنا هي طغيان المشافهة وغياب التدوين أو ندرته ... وحتى الكتابات القليلة المتوفرة لا يلبي معظمها حاجيات واقعنا المعيشي، متخلفة بحكم محدودية أفقها، كاريكاتورية اجترارية تفتقر إلى الطرفة والتميز... إنها ببساطة، كتابة "مصابة بفقر الدم " حسب عبارة غرامشي.‏
إن السؤال المطروح حالياً هو: كيف السبيل إلى الارتقاء بمثقفينا من مرحلة التقاليد الشفاهية السائدة إلى مرحلة الكتابة الواعية والمسؤولة؟ وهل من إمكانية لحل معضلات هذه الكتابة عندنا؟... إن ما يمكن أن يحققه الكاتب من نجاحات لمرتبط اشد الارتباط بخصال لا بد من توفرها لديه، ومن أهمها تنوير رؤيته للواقع وتوسيع آفاق تفكيره بالإلمام بما تراكم من معارف إنسانية عبر كتابات من سبقوه وإثراؤها بإضافته. إن نشأة جيل من الكتاب متسلح بهذه الخصال، منغرس بعمق في واقعه وساع بجد إلى تجاوز هذا الواقع الفكري الرديء لكفيل ببلوغ المبتغى " (6) .‏
لقد صدرت ثمانية أعداد من مجلة أطروحات، ثم توقفت عن الصدور، وكان هدفها تحقيق تراكم تراث نظري سياسي لليسار الماركسي، في الوقت الذي تسود فيه ثقافة سياسية شفوية في تونس .‏
1 - ميلاد حزب العمال الشيوعي التونسي‏
لما كان اللجوء إلى النضال السري، ليس اختياراً إرادياً بقدر ما كان اختياراً فرضته ظروف القمع البوليسية، وانعدام الحريات الديمقراطية، في تونس، فان التطورات التي فرضتها الحركة الديمقراطية والجماهيرية، جعلت منظمة العامل التونسي تقتحم ميدان النضال الشرعي العلني. ويقول أحد قادتها بهذا الصدد "ونحن عازمون على اقتحام معركة شرعية نشاطنا ووجودنا التنظيمي والعمالي مساهمة منا في النضال من اجل الحريات الحقيقية، وليس في أفق لعبة ديمقراطية مغلوطة، وذلك بصرف النظر عن استعدادات النظام لمنحنا الشرعية القانونية، لأن الشرعية تكتسب ولا توهب، وسنواصل، كما فعلنا في الماضي، النضال من أجل حريتنا وحقنا في التعبير والعمل السياسي العلني " (7) .‏
وهكذا تأسس حزب العمال الشيوعي التونسي في أواخر العام 1985، وهو حزب يتبنى الماركسية اللينينية، ويعتبر امتداداً وانقطاعاً لمنظمة "العامل التونسي " في الوقت عينه. وعلى الرغم من أنه لم يحصل على التأشيرة القانونية، إلا أن حزب العمال الشيوعي التونسي رغم حداثة تكوينه، أسهم إسهاماً كبيراً في تجذير النضال النقابي والسياسي الديمقراطي، وتعرض إلى هجمة قمعية سنة 1986. ورغم وفائه لبعض الأطروحات اليسارية في السبعينات، وخاصة الموقف من الأحزاب الشيوعية والاتحاد السوفياتي، فقد أصبح يرى في الديمقراطية وسيلة للنضال والدفاع عن الطبقات الكادحة (8) .‏
وظل حزب العمال الشيوعي التونسي في وضع شبه سري- شبه علني، فلم تكن بنيته التنظيمية مكشوفة، غير أنه برز كل من حمة الهمامي الأمين العام للحزب، ومحمد الكيلاني نائبه كأبرز قياديين، يعملان بصورة علنية. وكان حمة الهمامي الناطق الرسمي للحزب، ينشر مقالاته وكتبه، ويساهم في الندوات الصحفية، ويبدو أن ما يصدر عنه يلزم الحزب.‏
2-حزب العمال الشيوعي التو نسي و الموقف من المسالة القومية‏
يعتبر حزب العمال الشيوعي التونسي حزباً ماركسياً لينينياً، يجسد الخط الستاليني على صعيد نمط تفكيره الأيديولوجي، فهو له موقف نقدي حاد من الاتحاد السوفيتي، وتجربة بناء الاشتراكية فيه. وهو وإن كان يتبنى فكر ماوتسي تونغ، إلا أنه حدد كذلك موقفه من الصين في ضوء السياسة الجديدة التي بدأ ينتهجها دنغ شياوبنغ، خصوصاً إزاء التقارب مع الولايات المتحدة، وأصبح يعتبر الصين دولة غير اشتراكية وتحريفية. وظل الحزب وفياً لخط أنور خوجا الزعيم الشيوعي الألباني السابق، إذ كانت تربطه علاقات وطيدة جداً بألبانيا قبل انهيار الاشتراكية فيها في مطلع التسعينات.‏
ويؤكد حمة الهمامي الأمين العام للحزب، أن الطبقة العاملة في الأقطار العربية هي التي تتحمل مسؤوليتها التاريخية، في قيادة العملية الثورية التحررية من نير الإمبريالية والرجعية في كل قطر من هذه الأقطار. ومن الأكيد أنها لا يمكنها أن تقوم بهذه المهمة دون أن تتوافر لها هيئة أركانها ممثلة بالحزب الشيوعي الماركسي اللينيني " الذي يطرح على الماركسيين اللينينيين في كل قطر تكوينه وتحقيق انصهاره في طبقته، والتفاف الشعب حولها " (9) .‏
و يؤكد حزب العمال الشيوعي التونسي أن الشعب التونسي: "جزء من القومية العربية بحكم عوامل اللغة والأرض والتاريخ والثقافة المشتركة، وأن نضاله ينصهر ضمن النضال العام للشعوب العربية من أجل تحقيق الوحدة ضمن أمة واحدة، حال الاستعمار، وما انجر عنه من تجزئة وظهور كيانات مختلفة دون تطورها الاقتصادي والسياسي والثقافي على نفس الدرجة" (10) .‏
لا شك أن الحزب يتبنى تعريف ستالين للأمة، وهو إذ يقر بعروبة تونس، إلا أنه يرى أن الأمة العربية مازالت لم تستكمل شروط تكوينها واندماجها في إشارة واضحة إلى غياب الوحدة الاقتصادية. ولهذا يرى أن النضال في سبيل تحقيق الوحدة السياسية للأمة كفيل باستكمال هذه الشروط ووجود الأمة بحد ذاته. ويعتبر حزب العمال الشيوعي التونسي أن الوضع العربي الراهن غير مهيأ للوحدة، لان الوحدة العربية في نظره لن تتحقق في ظل الأنظمة الإقليمية الحالية. لأن الوحدة تتنافى ومصالح الأنظمة شديدة الارتباط بالإمبريالية العالمية، وهي لن تقوم إلا بصورة تدريجية. فالأقطار التي تنجح فيها الثورة تتحد، وهكذا دواليك. وهذا التدرج مرتبط بكون الثورة لا يمكن أن تحصل مرة واحدة من المحيط إلى الخليج، بحكم التفاوت الاقتصادي والاجتماعي والسياسي(11) .‏
كما أن الحزب يعتقد أن تحالف الطبقات الشعبية المتكونة من العمال والفلاحين هو القوة الاجتماعية المؤهلة لتحقيق الوحدة العربية. ذلك "أن البرجوازية القومية عاجزة عن تحقيق الوحدة لأنها عاجزة عن اختيار طريق مستقل عن العالم الرأسمالي، ولذلك فالوحدة لا يمكن تحقيقها إلا بقيادة الطبقة العاملة، لأنها الطبقة الوحيدة المعادية للإمبريالية، ولأنها الوحيدة أيضاً القادرة على لف الجماهير الشعبية حولها. فهي طبقة غير أنانية، وبتحرير نفسها تحرر جميع الطبقات الأخرى من الاستغلال والاضطهاد " (12) .‏
ويضيف حزب العمال الشيوعي في نقده للفكر القومي والتجارب الوحدوية الفاشلة قائلاً: "إن التيار القومي البرجوازي قد فشل في تحقيق الوحدة القومية لأنه عجز عن قطع الصلة مع الإمبريالية العالمية" وأيضاً لأنه لا يتصور أي تطور قومي خارج النظام الرأسمالي... كما انهم ظلوا ينظرون إلى الوحدة من زاوية برجوازية، وهو ما انجر عنه أن البرجوازية في القطر الأقوى كانت تنظر إلى الوحدة كوسيلة لتحقيق سيطرتها على القطر الآخر واستثمار خيراته وثرواته ويده العاملة. ولنا شاهد على ذلك في الوحدة المصرية- السورية، إن رفض الشعب السوري استغلال البرجوازية المصرية له، وقام ضدها، فاستغلت القوى الرجعية الإقليمية في سوريا هذا الرفض لتقصف ذلك المشروع " (13) .‏
3 - حزب العمال الشيوعي التونسي في ظل سلطة السابع من نوفمبر‏
على الرغم من أن الحزب تقدم رسمياً بطلب الحصول على تأشيرة قانونية لنشاطه السياسي، إلا أن السلطات التونسية لم تستجب لهذا الطلب، وظل الحزب ينشط من دون الخضوع لأي حظر. وفي العام 1988 شهدت تجربة التعددية الإعلامية بعض الانفراج، كما حاول الحكم إعادة ربط جسور الحوار مع المعارضة وسعى إلى منحها بعض فضاءات التعبير، وتمكن حزبان مختلفان من الحصول على امتيازين لإصدار صحيفتين: وهما حركة النهضة الفجر)، وحزب العمال الشيوعي التونسي البديل). وهما الحزبان الوحيدان غير المجازين قانونياً اللذين يصدر كل منهما صحيفة ناطقة باسمه.‏
ومع تفجر الصراع والمواجهة بين سلطة السابع من نوفمبر وحركة النهضة في مطلع التسعينات، اضطر حكم بن علي إلى تهدئة جبهة الصراع مع الأحزاب العلمانية ومد الجسور معها، فأقام تحالفا معها بهدف القضاء على البنية التنظيمية للحركة الإسلامية.‏
وكان حزب العمال الشيوعي التونسي من أكثر الأحزاب السياسية تطرفا ومناوئة لحركة النهضة، التي ينعتها بأنها "حركة ظلامية ورجعية" حتى أن أمينه العام حمة الهمامي، أصدر كراساً بهذا الصدد عنوانه "ضد الظلامية" انتقد فيه بشدة أطروحات الحركة الإسلامية التونسية. وقد التقى حزب العمال مع النظام في الموقف عينه من حركة النهضة، باعتبارها العدو الرئيسي للمجتمع المدني وللديمقراطية حسب وجهة نظرهما.‏
وقد أفقد هذا التحالف غير المعلن بين حزب العمال الشيوعي التونسي والنظام، الحزب مصداقيته السياسة في تونس، بسبب استمرار تشبثه بنهجه الدوغمائي، وقراءاته غير الدقيقة لطبيعة الحركة الإسلامية التونسية وأهدافها، وكذلك تقويمه غير الصائب لطبيعة سلطة السابع من نوفمبر، التي استخدمته هو والمعارضة العلمانية، كرصاص في مواجهة الحركة الإسلامية.‏
أما في حرب الخليج الثانية، فقد دعا حمة الهمامي الأمين العام للحزب إلى اعتماد برنامج قومي جاد لمواجهة العدوان الأميركي الصهيوني ضد العراق. ووصف العدوان الثلاثيني على العراق بأنه ليس مجرد صراع بين العراق وقوى أجنبية تدعي حماية الشرعية الدولية، إنما هو صراع بين طموحات العرب نحو نهوض قومي شامل وبين قوى طامعة بأرض وثروات العرب. وأكد أن الظروف القائمة في مواجهة الإمبريالية والصهيونية والرجعية هي أفضل من كل الظروف السابقة، لأن المواجهة التي خاضها العراق كشفت تداخل الخنادق والمتاجرين بالشعارات القومية وأعطت أهمية واسعة للنضال من أجل الوحدة العربية. وأختتم حديثه قائلاً : إن ما حصل في معركة العراق المقدسة يمثل قاعدة وأرضية لبعث جبهة وطنية وقومية عريضة معادية للإمبريالية والصهيونية والرجعية ترتقي إلى مستوى المعركة المقبلة (14) .‏
وجدير بالذكر أن حزب العمال الشيوعي التونسي كان من أشد المتحمسين في مساندة العراق، مثله في ذلك مثل باقي الجماهير العربية في تونس. غير انه مع انتهاء حرب الخليج الثانية وإسقاطاتها المدمرة المعروفة، وكذلك مع انتهاء محاكمة قيادات وكوادر حركة النهضة في تونس صيف 1992، وسيادة الحل الأمني- البوليسي في التعامل مع ملفات المعارضة التونسية، تعرض حزب العمال الشيوعي التونسي، إلى اعتقالات ومحاكمات، شملت أبرز قياديه وهم حمة الهمامي، ومحمد الكيلاني، ومحمد بن ساسي. وقد أصدرت محكمتان تونسيتان محكمة قابس ومحكمة سوسة) حكماً بالسجن لمدة تسع سنوات على حمة الهمامي الأمين العام للحزب، بتهمة الاحتفاظ بتنظيم غير مرخص له شرعياً، وتهم ملفقة له، وذلك في ربيع 1994. ولم يفرج عن مساجين حزب العمال الشيوعي إلا في خريف 1996، حيث أصبح هذا الحزب الماركسي الصغير جداً يعاني بدوره من انشقاق داخلي في صفوفه، بسبب تفجر الصراع بين قطبي قيادته: حمة الهمامي الذي يمثل خط التشدد في التعامل مع السلطة، ومحمد الكيلاني الذي يمثل خط التعاون معها.‏
وفي نهاية عقد التسعينات عادت السلطات التونسية إلى ملاحقة قيادات وأنصار حزب العمال الشيوعي التونسي. فقد اعتقلت آلة القمع البوليسية عشرين طالباً وطالبة من أصحاب الميول اليسارية، وقدمتهم إلى المحاكمة إضافة إلى المحامية المدافعة عن حقوق الإنسان راضية نصراوي في تموز عام 1999، بتهمة " تسهيل عقد اجتماع أعضاء جمعية تدعو إلى الحقد "، في إشارة إلى حزب العمال الشيوعي التونسي، التنظيم الصغير والمحظور الذي يقوده زوجها حمة الهمامي، بعد تعرض هؤلاء المناضلين إلى التعذيب الوحشي. وفي الرابع عشر من تموز الماضي، صدرت الأحكام، وراوحت بين ستة أشهر و تسع سنوات بحق الطلبة النقابيين .‏
(1) - مجلة النهار العربي والدولي- 13/7/1981 - لقاء مع أحد قادة منظمة العامل التونسي.‏
(2) - المصدر السابق.‏
(3) - المصدر السابق.‏
(4) - مجلة النهار العربي والدولي العدد 238) تاريخ 23/1/1981، ص 33) مقابلة مع حمة الهمامي.‏
(5) - النداء اللبنانية- تشرين السورية 20/6/1984 .‏
(6) - مجلة أطروحات- العدد الرابع - السنة الأولى- آذار مارس) نيسان أبريل) 1984 افتتاحية نحن والكتابة.‏
(7) - مجلة النهار العربي والدولي 13/7/1981 - مصدر سابق.‏
(8) - أنظر مجلة المغرب العربي الأسبوعية عدد 155-154).‏
(9) - مجلة الوحدة العدد 52 كانون الثاني 1989 "مقال الأحزاب الماركسية في تونس والمسألة القومية" عبد اللطيف الحناشي. انظر كراس حمة الهمامي "ضد الظلامية"، في الرد على الاتجاه الإسلامي)، دار النشر للمغرب العربي - تونس 1985، والذي خصص الجزء الأخير منه لهذه المسألة تحت عنوان "أمميون لكن مفعمون بالعزة القومية " ص 132).‏
(10) - المصدر السابق حوصلة لموقف حزب العمال الشيوعي التونسي من المسألة القومية.‏
(11) - حمة الهمامي "ضد الظلامية"- مصدر سابق ص 132).‏
(12) - انظر حوصلة لموقف حزب العمال الشيوعي التونسي من المسألة القومية.‏
(13) - حوصلة لموقف حزب العمال الشيوعي التونسي من المسألة القومية وأيضاً: " ضد الظلامية " ص 145-146).‏



(14) - صوت الشعب الأردنية- تاريخ 18/7/1991 .‏

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire